Translate

السبت، 26 أبريل 2014

الامانة،،،،،،

الامانة،،،،،،
الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال هي شهود أسرار الربوبية في الباطن ، والقيام بآداب العبودية في الظاهر ، أو تقول : هي إشراق أسرار الحقائق في الباطن ، والقيام بالشرائع في الظاهر ، مع الاعتدال ، بحيث لا تغلب الحقائق على الشرائع ، ولا الشرائع على الحقائق ، فلا يغلب السُكْرُ على الصحو ، ولا الصحو على السُكْر . وهذا السر خاص بالآدمي؛ لأنه اجتمع فيه الضدان؛ اللطافة والكثافة ، النور والظلمة ، المعنى والحس ، القدرة والحكمة ، فهو سماوي أرضي ، رُوحاني بشري ، معنوي وحسي . ولذلك خصّه الله تعالى من بين سائر الأكوان بقوله : { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } أي : بيد القدرة والحكمة ، فكان جامعاً للضدين ، ملكياً ملكوتيًّا ، حسه حكمة ، ومعناه قدرة : وليست هذه المزية لغيره من الكائنات ، فالملائكة والجن معناهم غالب على حسهم ، فإذا أشرقت عليهم أنوار الحقائق غلب عليهم السكر والهَيَمان ، والحيوانات والجمادات حسهم غالب على معناهم ، فلا يظهر عليهم شيء من الأنوار والأَسرار . وهذا السر الذي خُصّ به الآدمي هو كامن فيه ، من حيث هو ، كان كافراً أو مؤمناً ، كما كَمُن الزبد في اللبن ، فلا يظهر إلا بعد الترتيب والضرب والمخض ، وإلا بقي فيه كامناً ، وكذلك الإنسان ، السر فيه كامن ، وهو نور الولاية الكبرى ، فإذا آمن ووحّد الله تعالى ، واهتز بذكر الله ، وضرب قلبه باسم الجلالة ، ظهر سره ، إن وجد شيخاً يُخرجه من سجن نفسه وأسر هواه . وله مثال آخر ، وهو أن كمون السر فيه ككمون الحَب في الغصون قبل ظهوره ، فإذا نزل المطر ، وضربت الرياح أغصان الأشجار ، أزهرت الأغصان وأثمرت ، فلا يظهر هذا السر الكامن في الإنسان إلا بعد إرعاد الرعود فيه ، وهي المجاهدة والمكابدة ، وقتل النفوس ، بخرق عوائدها ، وبعد نزول أمطار النفحات الإلهية ، والخمرة الأزلية ، على يد الأشياخ ، الذين أهَّلهم الله لسقي هذا الماء ، وتجول في أغصان عوالمه رياح الواردات ، وينحط مع أهل الفن ، حتى يسري فيه أنوارهم ، ويتأدّب بآدابهم ، فحينئذ ينتظر لقاح السر فيه ، ويجني ثمار معارفه ، وإلا بقي السر أبداً كامناً فيه .

ليست هناك تعليقات: